فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {هَلُمَّ} قد تقدَّم الكلامُ فيه آخرَ الأنعام. وهو هنا لازمٌ وهناك متعدٍّ لنصبه مفعولَه وهو {شُهداءَكم} بمعنى: أَحْضروهم وهاهنا بمعنى احْضَروا وتعالَوْا، وكلامُ الزمخشريّ هنا مُؤْذنٌ بأنه متعدٍّ أيضًا، وحُذفَ مفعولُه فإنه قال: وَهلمُّوا إلينا أي: قَرّبوا أنفسَكم إلينا قال: وهي صوتٌ سُمّي به فعلٌ متعدٍّ مثل: أحضرْ وقََرّب. وفي تسميته إياه صَوْتًا نظرٌ؛ إذ أسماءُ الأصوات محصورةٌ ليس هذا منها.
قوله: {أَشحَّةً} العامَّةُ على نصبه. وفيه وجهان، أحدهما، أنَّه منصوبٌ على الشتم. والثاني: على الحال. وفي العامل فيه أوجهٌ، أحدها: {ولا يأتون} قاله الزجاج. الثاني: {هلمَّ إلينا}. قاله الطبري. الثالث: يُعَوّقُون مضمرًا. قاله الفراء. الرابع: المُعَوّقين. الخامس: {القائلين}. ورُدَّ هذان الوجهان الأخيران: بأنَّ فيهما الفصلَ بين أبعاض الصلة بأجنبي. وفي الردّ نظرٌ؛ لأنَّ الفاصلَ بين أبعاض الصلة منْ متعلَّقاتها. وإنما يظهر الردُّ على الوجه الرابع لأنه قد عُطفَ على الموصول قبل تمام صلته فتأمَّلْه فإنه حَسَنٌ. وأمَّا {ولا يأتُون} فمعترضٌ، والمعترضُ لا يمنعُ من ذلك.
وقرأ ابن أبي عبلة {أَشحَّةٌ} بالرفع على خبر ابتداءٍ مضمرٍ أي: هم أَشحَّةٌ. وأشحَّة جَمْعُ شَحيح، وهو جمعٌ لا ينقاس؛ إذ قياسُ فَعيل الوصف الذي عينُه ولامُه منْ وادٍ واحد أن يُجْمَعَ على أفْعلاء نحو: خليل وأَخلاَّء، وظَنين وأَظنَّاء وضَنين وأَضنَّاء. وقد سُمعَ أشحَّاء، وهو القياس. والشُّحُّ: البخل. وقد تقدَّم في آل عمران.
قوله: {يَنْظُرون} في محلّ حالٍ منْ مفعول {رَأَيْتَهم} لأن الرؤيةَ بَصَرية.
قوله: {تَدُورُ} إمَّا حالٌ ثانية، وإمَّا حالٌ منْ {يَنْظُرون}.
قوله: {كالذي يُغْشَى} يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ تكونَ حالًا منْ {أعينُهم} أي: تدورُ أعينُهم حالَ كونها مُشْبهَةً عينَ الذي يُغْشى عليه من الموت. الثاني: أنه نعتُ مصدرٍ مقدَّرٍ لقوله: {يَنْظُرون} تقديرُه: ينظرون إليك نَظَرًا مثلَ نَظَر الذي يُغْشى عليه من الموت، ويُؤَيَّدُهُ الآيةُ الأخرى {يَنْظُرون إليك نَظَرَ المَغْشيّ عليه من الموت}. الثالث: أنه نعتٌ لمصدرٍ مقدَّرٍ أيضًا ل {تدورُ} أي: دَوَرانًا مثلَ دَوَران عَيْن الذي. وهو على الوجهين مصدرٌ تشبيهيٌّ.
قوله: {سَلَقوكم} يقال: سَلَقه أي: اجترأ عليه في خطابه، وخاطبه مُخاطبةً بليغةً. وأصلُه البَسْط ومنه: سَلَقَ امرأتَه أي: بَسَطَها وجامَعَها. قال مسيلمةُ لسجاح لعنهما الله تعالى:
ألا هُبّي إلى المضجَعْ

فإنْ شئْت سَلَقْنَاك

وإن شئْت على أربعْ

والسَّليقَةُ: الطبيعةُ المتأتّيَةُ. والسَّليقُ: المَطمئنُّ من الأرض. وخطيبٌ مسْلاق وسَلاَّق. ويقال بالصاد قال الشاعر:
فَصَلَقْنا في مُرادٍ صَلْقَةً ** وصُداءٍ أَلْحَقَتْهُمْ بالثَّلَلْ

و{أشحةً} نصب على الحال منْ فاعل {سَلَقُوكم}. وابن أبي عبلة على ما تقدَّم في أختها.
قوله: {يَحْسَبُونَ} يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفًا أي: هم من الخوف بحيث إنهم لا يُصَدّقُوْن أن الأحزابَ قد ذهبوا عنهم. ويجوزُ أَنْ يكونَ حالًا منْ أحد الضمائر المتقدمة إذا صَحَّ المعنى بذلك، ولو بَعُدَ العاملُ، كذا قال أبو البقاء.
قوله: {بادُوْن} هذه قراءةُ العامَّة جمعُ بادٍ. وهو المُقيم بالبادية. وقرأ عبد الله وابن عباس وطلحة وابن يعمر {بُدَّى} بضم الباء وتشديد الدال مقصورًا كغازٍ وغُزَّى، وسارٍ وسُرَّى. وليس بقياسٍ. وإنما قياسُه في التكسير {بُداة} كقُضاة وقاضٍ. ولكنْ حُملَ على الصحيح كقولهم: ضُرَّب. ورُوي عن ابن عباس أيضًا قراءةٌ ثانيةٌ {بَديْ} بزنة عَدي، وثالثةٌ {بَدَوْا} فعلًا ماضيًا.
قوله: {يَسْألون} يجوز أَنْ يكونَ مستأنفًا، وأن يكونَ حالًا منْ فاعل {يَحْسَبُون}. والعامَّةُ على سكون السين بعدها همزةٌ. ونَقَل ابن عطية عن أبي عمرو وعاصم بنَقْل حركة الهمزة إلى السين كقوله: {سَلْ بني إسْرَائيلَ} [البقرة: 211]. وهذه ليسَتْ بالمشهورة عنهما، ولعلها نُقلَتْ عنهما شاذَّةً، وإنما هي معروفةٌ بالحَسَن والأعمش. وقرأ زيد بن علي والجحدري وقتادة والحسن {يَسَّاءَلُون} بتشديد السين والأصلُ: يتساءَلون فأدغم أي: يَسْأَلُ بعضُهم بعضًا.
قوله: {أُسْوَةٌ} قرأ عاصم بضمّ الهمزة حيث وقعَتْ هذه اللفظةُ. والباقون بالكسر. وهما لغتان كالعدْوَة والعُدْوَة، والقدوة والقُدْوَة.
والأُسْوة بمعنى الاقتداء. وهي اسمٌ وُضعَ مَوْضعَ المصدر وهو الائْتساء، فالأُسْوَةُ من الائتساء كالقُدْوة من الاقتداء. وائْتَسَى فلانٌ بفلانٍ أي اقتدى به. و{أسوةٌ} اسمُ {كان}. وفي الخبر وجهان، أحدهما: هو {لكم} فيجوزُ في الجارّ الآخر وجوهٌ: التعلُّقُ بما يتعلَّقُ به الخبرُ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ منْ {أُسْوَة} إذ لو تأخَّر لكان صفةً، أو ب كان على مذهب مَنْ يراه والثاني: أنَّ الخبرَ هو {في رَسُول الله} و{لكم} على ما تَقَدَّم في {في رَسُول الله} أو تتعلَّقُ بمحذوفٍ على التبيين أي: أَعْني لكم.
قوله: {لّمَن كَانَ يَرْجُو} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه بدلٌ من الكاف في {لكم} قاله الزمخشري. وقد منعه أبو البقاء. وتابعه الشيخُ. قال أبو البقاء: وقيل: هو بدلٌ منْ ضمير المخاطب بإعادة الجارّ. ومَنَعَ منه الأكثرون؛ لأنَّ ضميرَ المخاطب لا يُبْدَلُ منْه. وقال الشيخُ: قال الزمخشريُّ: بدلٌ من {لكم} كقوله: {للَّذينَ استضعفوا لمَنْ آمَنَ منْهُمْ} [الأعراف: 75] قال: ولا يجوزُ على مذهب جمهور البصريين أن يُبْدَلَ من ضمير المتكلم ولا من ضمير المخاطب بدلُ شيءٍ منْ شيءٍ، وهما لعينٍ واحدةٍ. وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش. وأنشد:
بكم قُرَيْشٍ كُفيْنا كلَّ مُعْضلَةٍ ** وأَمَّ نَهْجَ الهُدى مَنْ كان ضلّيلا

قلت: لا نُسَلّمُ أنَّ هذا بدلُ شيءٍ منْ شيءٍ وهما لعينٍ واحدة، بل بدلُ بعضٍ منْ كل باعتبار الواقع؛ لأنَّ الخطابَ في قوله: {لكم} أَعَمُّ منْ {مَن كَانَ يَرْجُو الله} وغيره، ثم خَصَّصَ ذلك العمومَ لأنَّ المتأسّيَ به عليه السلام في الواقع إنما هم المؤمنون. ويَدُلُّك على ما قلتُه ظاهرُ تشبيه الزمخشريّ هذه الآيةَ بآية الأعراف، وآيةُ الأعراف البدلُ فيها بدلُ كل منْ كل. ويُجاب: بأنَّه إنما قَصَد التشبيهَ في مجرد إعادة العامل.
والثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل {حَسَنةٌ}. الثالث: أَنْ يتعلَّقَ بنفس {حَسَنة} قالهما أبو البقاء. ومَنَعَ أَنْ يَتَعَلَّقَ ب {أُسْوَة} قال: لأنها قد وُصفَتْ. و{كثيرًا} أي: ذكْرًا كثيرًا.
قوله: {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} منْ تكرير الظاهر تعظيمًا كقوله:
لا أرى الموتَ يَسْبقُ الموتَ شيءٌ

ولأنه لو أعادَهما مُضْمَرَيْن لجَمَعَ بين اسم الباري تعالى واسم رسوله في لفظةٍ واحدةٍ، فكان يُقال: وصدقا، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد كَره ذلك، وردَّ على مَنْ قاله حيث قال: مَنْ يطع اللَّهَ ورسولَه فقد رَشَدَ، ومَنْ يَعْصهما فقد غَوى. وقال له: «بئْسَ خطيبُ القوم أنت. قل: ومن يَعْص اللَّهَ ورسولَه» قصدًا إلى تعظيم اللَّه. وقيل: إنما رَدَّ عليه لأنه وقف على يَعْصهما. وعلى الأول استشكل بعضُهم قولَه عليه السلام: «حتى يكونَ اللَّهَ ورسولُه أحَبَّ إليه ممَّا سواهما» فقد جَمَعَ بينهما في ضميرٍ واحدٍ. وأُجيبَ: بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعرفُ بقَدْر اللَّه تعالى منَّا فليس لنا أَنْ نقولَ كما يقول.
قوله: {وما زادَهُمْ} فاعلُ {زادهم} ضميرُ الوَعْد أي: وما زادهم وَعْدُ اللَّه أو الصدقُ. وقال مكي: ضميرُ النظر؛ لأنَّ قولَه: {لَمَّا رأى} بمعنى: لَمَّا نظر. وقال أيضًا: وقيل: ضمير الرؤية. وإنما ذُكّر لأن تأنيثها غيرُ حقيقي ولم يَذْكُرْ غيرَهما. وهذا عجيبٌ منه؛ حيث حَجَّر واسعًا مع الغُنْيَة عنه.
وقرأ ابنُ أبي عبلة {وما زادُوهم} بضمير الجمع. ويعود للأحزاب؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أخبرهم أنَّ الأحزابَ تَأْتيهم بعد عشرٍ أو تسعٍ.
قوله: {صَدَقُوا} صَدَقَ يتعدَّى لاثنين لثانيهما بحرف الجرّ، ويجوز حَذْفُه. ومنه المثل: صَدَقني سنَّ بَكْره أي في سنّ. والآيةُ يجوزُ أَنْ تكونَ منْ هذا، والأولُ محذوفٌ أي: صدقوا الله فيما عاهدوا اللَّهَ عليه. ويجوز أَنْ يتعدَّى لواحدٍ كقولك: صَدَقني زيدٌ وكَذَبني عمرو أي: قال لي الصدقَ، وقال لي الكذبَ. ويكون المعاهَدُ عليه مصدوقًا مجازًا. كأنهم قالوا للشيء المُعاهَد عليه: لنُوفيَنَّ بك وقد فعلوا. وما بمعنى الذي؛ ولذلك عاد عليها الضميرُ في عليه. وقال مكي: ما في موضع نصبٍ ب صَدَقوا. وهي والفعلُ مصدرٌ تقديرُه: صَدَقوا العهدَ أي: وَفَوْا به وهذا يَرُدُّه عَوْدُ الضمير. إلاَّ أنَّ الأخفشَ وابنَ السراج يذهبان إلى اسمية ما المصدرية.
قوله: {قضى نَحْبَه} النَّحْبُ: ما التزمه الإنسانُ، واعتقد الوفاءُ به.
قال:
عَشيَّةَ فَرَّ الحارثيُّون بعدَما ** قضى نَحْبَه في مُلْتَقَى القوم هَوْبَرُ

وقال آخر:
بطَخْفَةَ جالَدْنا الملوكَ وخَيْلُنا ** عَشيَّةَ بسْطامٍ جَرَيْنَ على نَحْب

أي: على أَمْرٍ عظيمٍ؛ ولهذا يُقال: نَحَبَ فلانٌ أي: نَذَرَ نَذْرًا التزمه، ويُعَبَّر به عن الموت كقولهم: قَضَى أجله لَمَّا كان الموتُ لابد منه جُعل كالشيء الملتَزم. والنَّحيْبُ: البكاءُ معه صَوْتٌ. والنُّحاب: السُّعالُ.
قوله: {لّيَجْزيَ الله} في اللام وجهان، أحدهما: أنها لامُ العلة. الثاني: أنها لامُ الصيرورة. وفي ما تتعلَّقُ به أوجهٌ: إمَّا ب {صَدَقوا} وإمَّا ب {زادهم} وإما ب {ما بَدَّلُوا} وعلى هذا قال الزمخشري: جُعل المنافقون كأنهم قَصَدوا عاقبةَ السوء، وأرادُوها بتبديلهم، كما قَصَدَ الصادقون عاقبةَ الصدق بوفائهم؛ لأنَّ كلا الفريقَيْن مَسُوقٌ إلى عاقبته من الثواب والعقاب، فكأنَّهما اسْتَوَيا في طلبهما والسَّعْي لتحصيلهما.
قوله: {إنْ شاءَ} جوابُه مقدَّرٌ. وكذلك مفعول {شاء}. أي: إنْ شاءَ تعذيبَهم عَذَّبهم. فإنْ قيل: عذابُهم مُتَحَتّمٌ فكيف يَصحُّ تعليقُه على المشيئة وهو قد شاءَ تعذيبَهم إذا ماتوا على النفاق؟ فأجاب ابنُ عطية: بأنَّ تعذيبَ المنافقين ثمرةُ إدامتهم الإقامةَ على النفاق إلى موتهم، والتوبةُ موازيَةٌ لتلك الإقامة، وثمرةُ التوبة تَرْكُهم دونَ عذاب فهما درجتان: إقامةٌ على نفاقٍ، أو توبةٌ منه، وعنهما ثمرتان: تعذيبٌ أو رحمة. فذكر تعالى على جهة الإيجاز واحدةً من هاتين، وواحدةً منْ هاتين ودَلَّ ما ذكر على ما تَرَكَ ذكْرَه. ويَدُلُّ على أنَّ معنى قوله: {ليُعَذّب} ليُديمَ على النفاق قولُه: {إن شاء} ومعادلتُه بالتوبة وحرف أو.
قال الشيخ: وكأنَّ ما ذَكَر يَؤُوْلُ إلى أنَّ التقديرَ: ليُقيموا على النفاق فيموتُوا عليه إنْ شاء فيُعَذّبَهم، أو يتوبَ عليهم فيرحمَهم. فحذف سببَ التعذيب وأثبت المسبَّب وهو التعذيبُ، وأثبت سببَ الرحمة والغفران وحَذَفَ المُسَبَّبَ وهو الرحمةُ والغُفْران.
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بغَيْظهمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمنينَ الْقتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزيزًا (25)}.
قوله: {بغَيْظهمْ} يجوزُ أَنْ تكونَ سببيةً، وهو الذي عَبَّر عنه أبو البقاء بالمفعول أي: إنها مُعَدّية. والثاني: أَنْ تكونَ للمصاحبة، فتكونَ حالًا أي مُغيظين.
قوله: {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} حالٌ ثانيةٌ أو حالٌ من الحال الأولى فهي متداخلَةٌ. ويجوز أَنْ تكونَ حالًا من الضمير المجرور بالإضافة. وجَوَّز الزمخشري فيها أَنْ تكونَ بيانًا للحال الأولى أو مستأنفةً. ولا يظهر البيانُ إلاَّ على البدل، والاستئنافُ بعيد.
قوله: {وَأَنزَلَ الذين} أي وأنزل اللَّهُ. و{مّنْ أَهْل الكتاب} بيانٌ للموصول فيتعلَّقُ بمحذوفٍ. ويجوز أن يكونَ حالًا. و{منْ صَياصيْهم} متعلّقٌ ب {أَنْزل} ومن لابتداء الغاية. والصَّياصي جمعُ صيْصيَة وهي الحصونُ. ويقال لكل ما يُمتنع به ويُتَحَصَّن: صيْصيَة. ومنه قيل لقَرْن الثور ولشوكة الديك: صيْصيَة. والصَّياصي أيضًا: شَوْك الحاكَة ويُتَّخَذُ منْ حديد قال دُرَيْد بن الصّمَّة:
كوَقْع الصَّياصيْ في النسيج المُمَدَّد

قوله: {فريقًا تَقْتُلون} {فريقًا} منصوبٌ بما بعده. وكذلك {فريقًا} منصوب بما قبله. والجملةُ مبيّنَةٌ ومقررةٌ لقَذْف الله الرعبَ في قلوبهم. والعامَّةُ على الخطاب في الفعلين. وابن ذكوان في روايةٍ بالغَيْبة فيهما. واليمانيُّ بالغَيْبة في الأول فقط. وأبو حيوة {تَأْسرون} بضم السين.
قوله: {لم تَطؤُوْها} الجملةُ صفةٌ ل {أرضًا}. والعامَّةُ على همزةٍ مضمومةٍ ثم واوٍ ساكنةٍ مضارعَ وَطئ. وزيد بن علي {تَطُوْها} بواوٍ بعد طاءٍ مفتوحةٍ. ووجهُها: أنها أَبْدَلَ الهمزةَ ألفًا على غير قياسٍ كقوله:
إنَّ الأُسودَ لَتَهْدا في مَرابضها

فلمَّا أَسْنده للواو التقى ساكنان فَحُذف أولهما نحو: لم يَرَوْها. وهذا أحسنُ منْ أَنْ تقول: ثم أجرى الألفَ المبدَلةَ منْ الهمزة مُجْرَى الألف المتأصّلة فَحَذَفها جزمًا؛ لأنَّ الأحسنَ هناك أَنْ لا تُحْذَفَ اعتدادًا بأصلها. واستشهد بعضُهم على الحَذْف بقول زهير:
جَريْءٍ متى يُظْلَمْ يعاقبْ بظلمه ** سَريعًا وإن لا يُبْدَ بالظُّلم يَظْلم

قوله: {أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} العامَّةُ على جَزْمهما. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه مجزومٌ على جواب الشرط. وما بين الشرط وجوابه معترضٌ، ولا يَضُرُّ دخولُ الفاء على جملة الاعتراض. ومثلُه في دخول الفاء قولُه:
واعلَمْ فَعلْمُ المَرْء يَنْفَعُه ** أَنْ سَوْفَ يَأْتيْ كلُّ ما قُدرا

يريد: واعلَمْ أَنْ سوفَ يأتي. والثاني: أنَّ الجوابَ قولُه: {فَتَعالَيْنَ} و{أُمَتّعْكن} جوابٌ لهذا الأمر.
وقرأ زيد بن علي {أُمْتعْكُنَّ} بتخفيف التاء من أَمْتَعَه. وقرأ حميد الخزاز {أُمَتّعُكُن وأُسَرّحْكُن} بالرفع فيهما على الاستئناف. و{سَراحًا} قائمٌ مقامَ التَّسْريح.
قوله: {مَن يَأْت منكُنَّ} العامَّةُ على {يَأْت} بالياء من تحتُ حَمْلًا على لفظ مَنْ. وزيد بن علي والجحدري ويعقوب بالتاء منْ فوقُ حَمْلًا على معناها؛ لأنه تَرَشَّح بقوله: {منكُنَّ} و{منكنَّ} حالٌ من فاعل {يَأْت}. وتقدَّم القراءةُ في {مُبَينة} بالنسبة لكسر الياء وفتحها في النساء.
قوله: {يُضاعَفْ} قرأ أبو عمرو {يُضَعَّفْ} بالياء من تحت وتشديد العين مفتوحةً على البناء للمفعول. {العذابُ} بالرفع لقيامه مقامَ الفاعل. وقرأ ابن كثير وابن عامر {نُضَعّفْ} بنون العظمة، وتشديد العين مكسورةً، على البناء للفاعل. قوله: {العذابَ} بالنصب على المفعول به. وقرأ الباقون {يُضاعَفْ} من المفاعلة مبنيًا للمفعول. {العذابُ} بالرفع لقيامه مَقامَ الفاعل. وقد تقدَّم توجيهُ التضعيف والمضاعَفة في سورة البقرة فأغنى عن إعادته. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْوَاجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ}.
لم يُردْ أن يكونَ قلبُ أحد من المؤمنين والمؤمنات منه في شُغل، أو يعود إلى أحد منه أذى أو تعب، فخَيَّرَ- صلى الله عليه وسلم- نساءَه، ووفقَ اللَّهُ سبحانه عائشةَ أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- حتى أخبرت عن صدْق قلبها، وكمال دينها ويقينها، وبما هو المنتظر. من أصلها وتربيتها، والباقي جرين على منهاجها، ونَسَجْنَ على منوالهَا.
{يَا نسَاءَ النَّبيّ مَنْ يَأْت منْكُنَّ بفَاحشَةٍ مُبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضعْفَيْن وَكَانَ ذَلكَ عَلَى اللَّه يَسيرًا (30)}.
زيادةُ العقوبةعلى الجُرْم من أمارات الفضيلة، ولذا فضل حدُّ الأحرار على العبيد وتقليل ذلك من أمارات النقص؛ فلما كانت منزلتُهن في الشرف تزيدعلى منزلة جميع النساء ضاعَفَ عقوبتهن على أجرامهن، وضاعف ثوابهن على طاعتهن. اهـ.